الصحافة

ماذا يعني استهداف "الحركة" في قطر؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

استهداف إسرائيل قادة حركة "حماس" في طهران أو دمشق أو صنعاء أو بيروت يختلف عن استهدافهم في الدوحة اختلافًا جذريًا، لأن العواصم الأربع الأولى تدخل ضمن محور الممانعة أو لا تزال أذرعها موجودة في البعض منها، والمواجهة بينها وبين تل أبيب مفتوحة ومستمرّة. أما الدوحة، فتعدّ عاصمة محايدة تمامًا عن محاور الصراع في المنطقة، وقد انتزعت لنفسها دورًا مهمًا في معالجة الأزمات والنزاعات الإقليمية، لا سيّما في الشرق الأوسط.

ولا شكّ أن إسرائيل كانت تدرك قبل العملية، أنها ستواجه بعاصفة من الردود الدولية المندّدة والمستنكرة، لكنها لم تأبه ولم تسأل ولم تستدرك، بل خطّطت ونفذّت واعترفت بالعملية قبل أن تتبيّن نتيجتها. وهذا يشير إلى أن مواجهتها مع "حماس" عابرة للدول والحدود والعواصم، وأن الهدف لن يقتصر على إخراج الحركة من غزة فحسب، بل على شطبها من على وجه الأرض.

ومن الواضح أن العملية كانت معدّة بإحكام شديد. أما إخفاقها، خلافًا لمعظم عملياتها الأمنية الناجحة في العامين الأخيرين، فقد يعود إما إلى عامل الصدفة، أو إلى علم واشنطن بها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وإبلاغها دولة قطر. لكن، بقطع النظر عن أسباب الإخفاق التي ستنكشف لاحقًا، فإن الرسالة التي أرادت تل أبيب توجيهها لـ "حماس" ثلاثية الأبعاد:

الأول، أنها لن تكون بمأمن وأمان في أي دولة من دول العالم، وأنها ستلاحق قيادتها حتى الاغتيال والتصفية.

الثاني، أنها تُبدّي رأس الحركة على رأس الرهائن.

الثالث، أنها لا تسعى إلى تسوية مع "حماس"، بل إلى سحقها داخل غزة وخارجها.

وقبل محاولة اغتيال قيادات "حماس"، كانت إسرائيل قد اغتالت رئيس حكومة الحوثيين الانقلابية وعددًا من وزرائه في الضربة التي استهدفتهم في العاصمة اليمنية المحتلة صنعاء، ما يدلّ على أن تل أبيب لا تكتفي بالأهداف العسكرية فحسب، ولا تميِّز عمليًا بين الجناح العسكري والجناح السياسي، بل هي مصمِّمة على التخلُّص من الجناحين على مستوى إيران وأذرعها كافة.

وقد دلّت محاولة اغتيال قادة "حماس" في قطر، على أن إسرائيل تخوض مواجهتها مع محور الممانعة بلا سقوف ولا ضوابط ولا خطوط حمر، كما أنها تُظهر أن بنيامين نتنياهو، وخلافًا لما يشاع، لا يسعى إلى تسويات أو سلام، بل يخطِّط لحرب طويلة الأمد تُبقيه في السلطة، وتُبقي الشعب الإسرائيلي معبّأً، خصوصًا بعد تمكّنه من إبعاد خطر أذرع الممانعة عن الداخل الإسرائيلي.

نتنياهو مستفيد اليوم من هذه الحرب، لأنه لا يريد أنصاف الحلول، ولن يسمح لمحور الممانعة باستعادة ترميم قوّته. وهو لن يُنهي الحرب قبل أن يتخلّص نهائيًا من هذا المحور، وهذه مسألة طويلة الأمد، كما أنه يسعى إلى البقاء أطول فترة ممكنة في السلطة، خصوصًا أنه أصبح في موقع الفعل والهجوم والمبادر وخسائره لا تذكر، فيما الممانعة بأجنحتها كلّها في موقع ردّ الفعل وعدّ الخسائر.

اللافت أيضًا في العملية الأمنية التي استهدفت قادة "حماس" في قطر يكمن في عاصفة الاستنكارات الدولية، فيما لم تندّد أيّ من عواصم القرار باستهدافاتها المتواصلة للبنان وسوريا واليمن، وهذا يعني أن تل أبيب تحظى بالغطاء الغربي وغيره الكامل لاستهداف أذرع إيران في الدول التي نجحت أو كانت نجحت في مرحلة سابقة في السيطرة عليها.

وأصبحت إطالة أمد الحرب مصلحة إسرائيلية بامتياز، وعدم تخلي محور الممانعة عن مشروعه بات يخدم المشروع الإسرائيلي والأجندة الإسرائيلية التي بإمكانها إطالة أمد هذه الحرب متى شاءت، خصوصًا بعد فقدان المحور قدرته على مواجهتها. أما الادّعاء أنّ القوة التي ترتكز عليها إسرائيل لا تواجه سوى بالقوة، فهو ادّعاء واهٍ وفارغ، لأنّ محور الممانعة قد تعرّض لهزائم كبيرة أمام إسرائيل التي اغتالت معظم قياداته، وتحكّمت في مسار الحروب ومجرياتها.

استهداف إسرائيل الحكومة الحوثية ومن ثم قادة "حماس" على أرض دولة محايدة يفترض أن يدفع "حزب اللّه" إلى التفكير الجدي بأن قيادته السياسية قد لا تبقى بمنأى عن الاستهداف مستقبلًا، وأن تمسُّكه بالسلاح، الذي يدّعي أنه عامل قوة، لن يوفِّر له الحماية لقياداته، بل سيُفسح المجال أمام إسرائيل لمزيد من الاغتيالات، ومن فشل أساسًا في منع اغتيال السيد حسن نصراللّه، وكان وضع "الحزب" أفضل من اليوم بكثير، فلن يتمكّن من حماية نوّابه، لا بل ستصبح حركته السياسية مشلولة على غرار حركته العسكرية.

فالنقطة الأساس، أن سلاح "حزب اللّه" لا يشكّل الضمانة لحماية قادة "الحزب" من الاغتيال، بل يشكل صفر ضمانة، فيما تسليم سلاحه والتخلي عن مشروعه وانخراطه في مشروع الدولة هي الحماية الوحيدة له، لأن أيّ استهداف إسرائيلي عندذاك للبنان سيجعل لبنان كلّه ومعه دول العالم أجمع ضد إسرائيل على غرار ما حصل مع قطر، كما أن تخلّيه عن مشروعه نهائيًا يُسقط مبرِّر استهدافه من قبل إسرائيل، وما استهدافها "حماس" سوى لأنها ما زالت متمسّكة بمشروعها.

إن تمسُّك "حزب اللّه" بسلاحه سيعرِّض قيادته السياسية للاستهداف، ويشلّ حركته السياسية، فيصبح غير قادر على المشاركة لا في جلسات مجلس النوّاب، ولا في الانتخابات النيابية، وسيطالب بتأجيلها، وسيُبقي لبنان محاصرًا ومعزولًا وتحت الوصاية العسكرية والأمنية الإسرائيلية بسبب تمسّكه بسلاح انتهت صلاحيّته ومفعوله.

شارل جبور -نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا